السبت، 25 أبريل 2015

رغيف خبز عدني

مباشرة مع شروق الشمس و ولادة يوم آخر في حياة العاصمة الجنوبية عدن هرولت إلى المخبز البعيد، هناك حدثوني أنني سأجد الخبز  متوفراً شريطة أن أكون أول الواصلين . غير أني وجدت أناساً قد أحتشدوا مبكراً في طابور طويل و كأن غالبيتهم قد صلوا الفجر أمام باب المخبز حتى يحظوا ببركة استقبال أول مخرجات حوار النار والعجين من الأرغفة.
و لأني شاب فوضوي لا أحمل مدنية عدن شكلاً ولا مضموناً ، أكره الطوابير ليس اهتماماً للوقت وإنما لمزاجي العالي الذي يكره شمس الانتظار و جلدي الذي  لا يطيق أشعة شمس النهار، لذا قمت بمحاولة أن أستميل الشاب المسلح المسؤول عن ضبط اعوجاج الطابور مرة بالتحايل وأخرى بالقليل من المال حتى يعفيني من عناء الطوابير، لكنه رفض !!
نعم لقد رفض..!؟
تخيلت وجه  المخلوع علي عبدالله صالح عندما يعلم ذلك..!!
فبعد مايزيد عن ٢٠ عام من حكمه رفض شاب عدني أسمر "رشوة"..

في الطابور  كان أمامي شابين يتكلمان تبدو عليهما علامات النشاط رغم حرارة الشمس.
كانا يتحدثان عن الأحداث الأخيرة المتتالية في عدن وعن همجية الحوثي ، لا أدري كيف يجتمع اسم مدينة كعدن مع اسم شخص كالحوثي.
تحدث أحدهما عن شخص يعرفه لديه منزل ذو ثلاث طوابق والذي فقد ثلاثيته الاسمنتية ليصبح طابقاً يتيماً مكسوراً بسبب القصف المدفعي الشديد من قبل الحوثيين.
"لم يصب أحد بسوء من جراء هذا القصف"
بهذه العبارة أزال الشاب قلقنا على ساكني البيت

كان الشابين لا يذكرون اسم الحوثي كثيراً، يعوضون ذلك بجملة "يلعن عارهم" والتي أفهم منها أنهم يقصدون الحوثي وعفاش وكل من تسول له نفسه تعكير مزاج الشابين أيضاً.
في عدن تبدو الشتيمة على لسان شبابها جزءً أساسياً من قواعد اللغة العربية، لا تصح الجملة إلا بها.

لم يطل حديثهم عن البيت المنكوب حتى أخذ أحدهم زمام الحديث واصفاً مبارة برشلونة و إبداع ميسي البارحة ، كيف أنه استطاع قلب النتيجة في آخر الدقائق ليحقق انتصاراً جديداً. كان الشاب الاخر يبدي حسرته وقهره لتفويته تلك المبارة حين قال: لقد انقطعت الكهرباء منذ يومين ولم تعد حتى الآن لأنهم "يلعن عارهم" (الحوثيين)قد قاموا بسرقة الديزل المخصص لمحطة توليد الكهرباء.!
استمر الشابين في التنقل بحديثهم بين جبهات القتال وغلاء الاسعار وانعدام البترول و المقارنة بين ميسي ورونالدو وشتم الوحدة والرئيس والشمال وفصل الصيف حتى أنتبه أحدهم أنني أستمع لحديثهم قبل أن يرمقني بنظرة شك و كأنه ارتاب في ملامحي وبشرتي الفاتحة التي فسرها بأني قد أكون واحد من جحافل الغزاة الذين يشتمهم، لكني سرعان ما قلت: "يلعن عارهم" لم يتركونا نعيش، فكأن شتيمتي تلك بددت كل حيرة الشاب وارتيابه قبل ان أشاركهم بارتياح ما تبقى من أحاديثهم حتى تمكنت من الوصول إلى بوابة المخبز.

في داخل المخبز أردت الحصول على أكبر كمية من الخبز تنقذني من عناء الوقوف في الطابور لأيام مقبلة لكن عامل الفرن أخبرني أن لي كمية محددة أقصاها ٣٠ رغيفاً يمنياً.حاولت أن أدفع له أكثر فيعطيني أكثر، لكنه هو الآخر رفض!
ماالذي أصاب عدن بين ليلة وضحاها،هل استعادت مدنيتها ونظامها اليوم..؟
حتى أنه خيل لي أنه لا يوجد شيطان على ترابها سواي..؟
أين سأذهب بفوضويتي ..؟

في الطريق إلى البيت حاملاً نصيبي من الخبز الطازج ألتهمت أحد الأرغفة قبل أن ألتهم رغيفين آخرين.

ما إن وصلت للبيت  قمت بعد وحساب ثروتي من الأرغفة وبعد عملية طرح رياضية لما ألتهمته أكتشفت أنه قد تم خداعي وسرقتي من قبل عامل المخبز،حينها قفز إلى مخيلتي مرة أخرى المخلوع صالح وفساده وسرقته.
سحقاً له
أقصد"يلعن عاره" !!



هناك تعليق واحد: